للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَتْ الظَّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ مَنَازِلَ بَنِي كَعْبٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. فَأَجَابَهُ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ، أَخُو بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ، فَقَالَ:

وَاَللَّهِ لَا نُؤتَى الْوَلِيدَ ظُلامةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ

ويُصرع مِنْكُمْ مُسمن بَعْدَ مُسْمِنٍ ... وتُفتح بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ١

إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ وَخَزِيرَكُمْ ... فَكُلُّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ وَنَادِبُهْ٢

ثُمَّ إنَّ النَّاسَ تَرَادُّوا وَعَرَفُوا أَنَّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السَّبة فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمَّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:

وقائلةٍ لَمَّا اصْطَلَحْنَا تَعَجُّبًا ... لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ

أَلَمْ تُقسموا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ٣

فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسِّلْمِ فَاسْتَوَتْ ... فأمَّ هَوَاهُ آمِنًا كُلُّ رَاحِلِ

ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ حَتَّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذر، فَقَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:

أَلَا زَعَمَ المغيرة أن كعبًا ... بمكة منهم قدر كبير

فلا تفخر مغير أَنْ تَرَاهَا ... بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ٤

بِهَا آبَاؤُنَا وَبِهَا وُلدنا ... كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ٥


١ المسمن: الشريف الظاهر بين الناس.
٢ الخزير: نوع من الحساء.
٣ تؤتوا: أراد: أن تؤتوا، ومعناه: ألا تؤتوا كما جاء في التنزيل: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: ٧٦] أي: ألا تضلوا والبلابل: الوساوس الفكرية.
٤ المعلهج: المتردد في الإماء كأنه منحوت من أصلين: من العلج؛ لأن الأمة: عالجة، ومن اللهج: كأن واطئ الأمة قد لهج بها. والمهير ابن المهيرة الحرة.
٥ ثبير: جبل بمكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>