للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَطْلب١، وَاَلَّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ، مَا تقوَّلها إسْمَاعِيلِيٌّ قَطُّ وَإِنَّهَا لَحَقٌّ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عنكم.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسلام، ويَعْرض عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ مِنْ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ، وَهُوَ لَا يَسْمَعُ بِقَادِمِ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنْ الْعَرَبِ، لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، إلَّا تصدَّى له، فدعا إلى الله، وعرَض عليه ما عنده.

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الظَّفري عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا:

قَدِمَ سُويد بْنُ صَامِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف، مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدُ إنَّمَا يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمْ: الْكَامِلَ، لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:

أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا ولوترى ... مقالتَه بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْري٢

مقالتُه كالشهدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ... وبالغيبِ مأثورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النحرِ٣

يَسرك بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيَمِهِ ... نميمةُ غِشٍّ ِّتبتري عَقَبَ الظهرِ٤

تُبين لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كاتمٌ ... مِنْ الغلِّ والبغضاءِ بالنظرِ الشَّزْرِ

فرِشْنِي بخير طالَما قد بَرَيْتَني ... وخيرُ الموالي من يَريشُ ولايَبْرِي٥

وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ وَنَافَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيم، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي زِعْب بْنِ مَالِكٍ على مائة نَاقَةٍ، إلَى كَاهِنَةٍ مِنْ كُهَّانِ الْعَرَبِ، فَقَضَتْ لَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهَا هُوَ والسَّلَمي، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهَا، فَلَمَّا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الطَّرِيقُ، قَالَ: مَالِي يَا أَخَا بَنِي سُلَيم قَالَ: أَبْعَثُ إلَيْكَ بِهِ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِذَلِكَ إذَا فُتَّني به؟ قَالَ: كَلَّا، وَاَلَّذِي نَفْسُ سُوَيد بِيَدِهِ، لَا تُفَارِقَنِّي حَتَّى أوتَى بِمَالِي، فاتَّخذا فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَوْثَقَهُ رِبَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَمرو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى بَعَثَتْ إلَيْهِ سُلَيم بِاَلَّذِي له، فقال في ذلك:


١ مثل يضرب لما فات، وأصله من ذنابي الطائر إذا أفلت من حباله فطلبت الأخذ بذناباه.
٢ يفري: يختلق.
٣ المأمور: السيف الموشى.
٤ تبتري عقبه: تقطع ظهره.
٥ يريش يقوي. وينبري يضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>