للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحرَّموه؛ لِيُوَاطِئُوا عدَّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الحُرُم. فَإِذَا أَرَادُوا الصَّدَر١ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ أَحَدَ الصَّفرَيْن، الصَّفَرَ الْأَوَّلَ، وَنَسَّأَتْ الآخرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ٢" فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْر بْنُ قَيْس، جِذْل الطَّعان٣، أحدُ بَنِي فراس بن غَنْم بن ثعلبة بن بالك بْنِ كِنَانَةَ، يَفْخَرُ بالنَّسأة عَلَى الْعَرَبِ:

لَقَدْ علمتْ مَعَد أَنَّ قَوْمِي ... كرامُ الناسِ أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا٤

فَأَيُّ الناسِ فَاتُونَا بوِتْر ... وَأَيُّ الناسِ لَمْ نُعْلِكْ لِجَامَا٥

ألسْنا النَّاسئين عَلَى مَعد ... شهورَ الحِلِّ نجعلها حَرامًا؟


١ الصدر هنا: الرجوع من الحج.
٢ وأما نَسَؤُهُم فكان على ضربين، أحدهما: ما ذكر ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات. والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحريًا منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يومًا أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته، ولذلك قال عليه السلام في حجة الوداع: "إن الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السمواتِ والأرض" وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته، ولم يحج رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة غير تلك الحجة، وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته، ولطوافهم بالبيت عراة -والله أعلم- إذ كانت مكة بحكمهم، حتى فتحها الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم.
٣ وكان عُمير من أطول الناس، وسمي جذل الطعان لثباته في الحرب كأنه جذل شجرة واقف، وقيل: لأنه كان يُستَشفَى برأيه، ويُسْتَراح إليه، كما تستريح البهيمة الجرباء إلى الجذل "وهو عود ينصب للبُهم الجرباء لتحتك به".
٤ أي: آباءً كرامًا وأخلاقًا كرامًا.
٥ أي: لم نقدعهم ونكفهم، كما يقدع الفرس باللجام. تقول: أعلكت الفرس لجامه: إذا رددته عن تنزعه، فمضغ اللجام كالعلك من نشاطه، فهو مقدوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>