للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالا: تغتسل فتطهر ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي ركعتين، قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، وشهد شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ.

قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ؛ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ قَالُوا: سيدُنا وأفضلُنا رَأْيًا، وأيمنُنا نَقِيبَةً قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عليَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.

قَالَا: فَوَاَللَّهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ ومُصْعَب إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرارة فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وخَطْمة وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ مِنْ الأوْس بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأسْلَت، وهو صيفي، وكان شاعرًا لهم وقائدًا يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنْ الإِسلام، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الإِسلام، وَمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أمره:

أربَّ الناسِ أشياخ ألمَّتْ ... يُلَفُّ الصعبُ مِنْهَا بالذَّلولِ

أربَّ الناسِ أَمَّا إذْ ضَلِلْنَا ... فيسِّرْنا لمعروفِ السبيلِ

فَلَوْلَا ربُّنا كُنَّا يَهُودًا ... وَمَا دينُ اليهودِ بِذِي شُكولِ١

وَلَوْلَا ربُّنا كُنَّا نَصَارَى ... مَعَ الرهبانِ في جبلِ الجليلِ٢


١ الشكول: جمع شكل وشكل الشيء بالفتح هو مثله والشكل بالكسر الدل والحسن فكأنه أراد أن دين اليهود بدع، فليس له شكول أي: ليس له نظير في الحقائق، ولا مثيل يعضده من الأمر المعروف المقبول، وقد قال الطائي:
وقلت: أخي قالوا: أخ من قرابة ... فقلت لهم: إن الشكول أقارب
قريبي في رأيي وديني ومذهبي ... وإن باعدتنا في الخطوب المناسب
انظر: "الروض الأنف، بتحقيقنا ج٢ ص٢٠٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>