تنعشه من عثرته، ولم تنقذه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه، ولم تخلصه من وصمة.
بَلَى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمِنْعَةٍ ... مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ
فَلَمَّا رَأَى أَنْ لا نَجَاةَ وَأَنَّهُ ... هُوَ الْمَوْتُ لا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ
تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ ... عَلَيْهِ وَأَبْكَتْهُ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ
إذا بكى على ما سلف من خطاياه، وتحسر على ما خلف من دنياه، واستغفر حتى لا ينفعه الاستغفار، ولا ينجيه الاعتذار، عند هول المنية ونزول البلية.
أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمُومُهُ ... وَأبْلَسَ لَمَّا أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِرُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ ... وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِرُ
وَقَدْ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ ... تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللُّهَا وَالْحَنَاجِرُ
هنالك خلف عواده وأسلمه أهله وأولاده وارتفعت البرية بالعويل وقد أيسوا من العليل فغمضوا بأيديهم عينيه ومد عند خروج روحه رجليه وتخلى عنه الصديق والصاحب الشفيق.
فَكَمْ مُوجِعٌ يَبْكِي عَلَيْهِ مُفَجَّعٌ ... وَمُسْتَنْجِدٌ صَبْرًا وَمَا هُوَ صَابِرُ
وَمُسْتَرْجِعٌ دَاعٍ لَهُ الله مُخْلِصًا ... يُعَدّدُ مِنْهُ كُلَّ مَا هُوَ ذَاكِرُ
وَكَمْ شَامِتٌ مُسْتَبْشِرٌ بِوَفَاتِهِ ... وَعَمَّا قَلِيل لِلَّذِي صَارَ صَائِرُ
فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه وشمروا لإبرازه كأن لم يكن بينهم العزيز المفدى ولا الحبيب المبدَّى.
وَحَلَّ أَحَبُّ الْقَوْمِ كَانَ بِقُرْبِهِ ... يَحُثُّ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَيُبَادِرُ
وَشَمَّرَ مَنْ قَدْ أَحْضَرُوهُ لِغَسْلِهِ ... وَوَجِّه لِمَا فَاضَ لِلْقَبْرِ حَافِرُ