و (الدرعية) ، وكانت تلك الجهات تعرف قديما باليمامة وإن كان اسم اليمامة اليوم يطلق على جزء صغير منها.
وطبيعة الجزيرة العربية تملي على سكانها صفاتهم النفسية والسلوكية، فهي بلاد وعرة المسالك كثيرة الوهاد والنجاد، يعتمد معظم أهلها في حياتهم على ما يعتمد عليه أهل البادية، من رعي الماشية، والانتجاع طلبا للكلأ والعشب، وقد أورثهم ذلك خشونة النفس، وقسوة القلب، وغلظة الطبع، وتحررا من القيود والضوابط، وعصبية للقوم، واعتزازا بالعشير، وإزاء هذا كله فقد ورثوا كثيرا من المحامد التي تستدعيها حياة البادية من شجاعة وإقدام ووفاء ونجدة وجود وكرم. والأنفة التي جبل عليها الأعرابي تأنف من الخضوع والانقياد. فهو يعتز بنفسه اعتزازا بالغا، ولا يسلس قيادة الإنسان بسهولة، وما عرف عن النظام القبلي في رئاسة شيخ القبيلة كان في نطاق محدود يرتبط بالحمية وحماية الذمار ودفع العار مع ما كان بين القبائل بعضها مع بعض من حروب طاحنة، تأكل الأخضر واليابس، يثير العصبية العمياء لأتفه الأسباب.
وإنما تلين عريكة العرب اذا كانت السلطة للدين حيث لا يشعر أحدهم حينئذ أنه يخضع لإنسان، إنما يخضع لله، وقد عبر ابن خلدون عن هذا المعنى بقوله "الفصل السابع والعشرون" في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض؛ للغلظ والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، فسهل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس، فإذا كان فيهم النبي أو الولي، الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، يذهب عنهم مذمومات الأخلاق، ويأخذهم، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق ثم اجتماعهم، وحصل لهم التغلب والملك، وهم مع ذلك أسرع الناس قبولا للحق والهدى؛ لسلامة طباعهم من عوج الملكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق إلا ما كان من