للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحسن التقدير لما تفيد١, وما تنفق, ولا يغرنك من ذلك سعة تكون فيها, فإن أعظم الناس في الدنيا خطرًا٢ أحوجهم إلى التقدير، والملوك أحوج إليه من السوقة٣؛ لأن السوقة قد تعيش بغير مال، والملوك لا قوام٤ لهم إلا بالمال, ثم إن قدرت على الرفق واللطف في الطلب, والعلم بوجوه المطالب, فهو أفضل.

وأنا واعظك في أشياء من الأخلاق اللطيفة, والأمور الغامضة التي لو حنكتك٥ سن كنت خليقًا أن تعلمها، وإن لم تخبر عنها.

ولكنني قد أحببت أن أقدم إليك فيها قولًا؛ لتروض٦ نفسك على محاسنها, قبل أن تجري على عادة مساوئها, فإن الإنسان قد تبتدر إليه٧ في شبيته المساوئ، وقد يغلب عليه ما بدر إليه منها للعادة. وإن لترك العادة مؤونة شديدة, ورياضة صعبة.


١ تفيد: تستفيد.
٢ الخطر: الشرف, وارتفاع القدر.
٣ السوقة: الرعية التي يسوسها الولاة.
٤ قوام الأمر: نظامه وعماده الذي يقوم به.
٥ حنكتك: راضتك, وهذبتك.
٦ راضه: ذلَّلَهُ, وجعله مطيعًا.
٧ تبتدر إليه: تسبق إليه.

<<  <   >  >>