للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعنى: لهذا الممدوح، أو لقومه محامدٌ ومفاخر، قد استفرغت شعري في وصفها ليملأها شعري، فآل عن أجزاء ما امتلأت المحامد منه، ولا فني شعري أيضاً فأنا أبداً أمدحهم، فلا شعري ينفد، ولا هو يبلغ كنه وصفهم.

مكارمٌ لك فت العالمين بها ... من يستطيع لأمرٍ فائتٍ طلبا

فت: أي سبقت.

يقول: لك مكارم سبقت جميع الخلق بها فلم يدركوا فيها شأوك، ولا يقدر أحد على رده ولا طلبه.

لما أقمت بأنطاكية اختلفت ... إلي بالخبر الركبان في حلبا

أنطاكية على مسيرة يومين من حلب.

يقول: لما أقمت بأنطاكية تزودت الركبان بالخبر من عندك، وأنا بحلب، فذكروا وصولهم إلى النعم الجزيلة والأيادي الجميلة.

فسرت نحوك لا ألوي على أحدٍ ... أحث راحلتي: الفقر والأدبا

نصب الفقر والأدب؛ لأنهما بدل من راحلتي.

يقول: لما عرفت الحال سرت نحوك غير ملتف إلى أحد من الناس دونك، وحثثت نحوك راحلتين: وهما الفقر والأدب، لتزيل عني الفقر وتشرفني بالإكرام لأجل الأدب.

أذاقني زمني بلوى شرقت بها ... لو ذاقها لبكى ما عاش وانتحبا

الانتحاب، والنحيب: تردد البكاء في الصدر، والهاء في بها وذاقها: للبلوى. وبكى، وعاش، وانتحب: فعل الزمن.

يقول شاكياً من زمانه: إنه أذاقني من بلاه ومحنه ما نشب في حلقي فشرقني، ولو ذاق الزمان ما أذاقني، لبكى وانتحب ما عاش!

وإن عمرت جعلت الحرب والدةً ... والسهمري أخاً والمشرفي أبا

يقول: إن طال عمري جعلت الحرب والدتي؛ فأعتني بأمرها كما يعتني الرجل بأمر والدته، والرمح أخاً والسيف أبا: يعني لازمت الحرب، والرمح والسيف، كما يقال: فلان ابن بجدة هذا الأمر، وفلان أخو فلوات، وأراد: في إدراك ثأري من الزمان وأهله.

بكل أشعث يلقى الموت مبتسما ... حتى كأن له في قتله أربا

الأرب: الحاجة. وبكل رجل أشعث: أي أغبر معاودٍ للحرب، يلقى الموت وهو ضاحك، حتى يظن أن له حاجةً في أن يقتل. والمراد بالموت: علاماته. ومثله لأبي تمام:

يستعذبون مناياهم كأنهم ... لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا

قحٍّ يكاد صهيل الجرد يقذفه ... عن سرجه مرحاً بالعز أو طربا

القح: الخالص من كل شيء، والجرد: جمع أجرد، وجرداء: وهو القصير الشعر، وقيل: هو الذي يتجرد من الخيل ويسبقها.

يقول: بكل أشعث خالص في نسبه عربي يكاد يرميه صهيل الخيل عن سرجه مرحاً وشوقاً إلى الحرب، سروراً بالموت.

الموت أعذرلى، والصبر أجمل بي ... والبر أوسع، والدنيا لمن غلبا

يقول: إن الموت يعذرني إذا قتلت شوقاً إليه، والصبر أجمل بالحر من احتمال الضيم، والبر أوسع بمن يريد العز إن لم يكن في هذا الموضع يطلبه في موضع آخر، والدنيا لمن غلب. وجميع البيت مثل ضربه.

وقال أيضاً يمدحه ويذم الزمان:

فؤادٌ ما تسليه المدام ... وعمرٌ مثل ما يهب اللئام

فؤاد: خبر ابتداء محذوف، وتقديره: فؤادي فؤادٌ، وهذا فؤادٌ، وكذلاك في قوله: وعمرٌ. وما الأولى للنفي، والثانية: بمعنى الذي. واللئام: جمع لئيم، وهو من يجمع ثلاثة أحوال: البخل، ومهانة النفس، والدناءة في الأصل.

يصف بعد همته وعلو قدره وعزة مطلبه فيقول: إن فؤادي لا يغلبه شرب الخمر، ولا يسليه السكر عما يطلبه من الشرف والعلو، ولي عمرٌ منكدٌ منغص مثل هبة اللئيم التي تكون منغصة حقيرة؛ فلقصر عمر أخاف ألا أدرك مطلوبي وقيل غرضه في ذلك شكاية حاله، وضيق صدره، وقصر عمره، وتنغيص حياته، وإنه صار إلى حدٍّ لا يسليه الشراب. هذا مثل قصار الهمم، وإن كانوا طوال العمر.

ودهرٌ ناسه ناسٌ صغارٌ ... وإن كانت لهم جثثٌ ضخام

الجثث: جمع الجثة، وهي شخص الإنسان ما دام حياً جالساً أو نائماً، فإذا كان قائماً فهو قامة.

يذم أهل الدهر فيقول: إن الدهر دهرٌ، أو هذا دهرٌ، أهله صغار، ليس لهم همة مع عظم أجسامهم، التي هي مثل: جسم البغال وأحلام العصافير وهذا مثل.

وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام

الرغام والرغام: التراب.

<<  <   >  >>