للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ٨: ١٠] . وفي {يكذبون} قراءتان مشهورتان، فإنهم كذبوا في قولهم: آمنا بالله واليوم الآخر، وكذبوا الرسول في الباطن وإن صدقوه في الظاهر، وقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١: ٣] ، فبين أنه لابد أن يفتن الناس أي: يمتحنهم ويبتليهم ويختبرهم. يقال: فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتميزه مما اختلط به، ومنه قول موسى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: ١٥٥] ، أي: محنتك واختبارك وابتلاؤك، كما ابتليت عبادك بالحسنات والسيئات ليتبين الصبار الشكور من غيره، وابتليتهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليتبين المؤمن من الكافر، والصادق من الكاذب، والمنافق من المخلص، فتجعل ذلك سبباً لضلالة قوم وهدي آخرين.

والقرآن فيه كثير من هذا يصف المؤمنين بالصدق، والمنافقين بالكذب؛ لأن الطائفتين قالتا بألسنتهما: آمنا، فمن حقق قوله بعمله فهو مؤمن صادق ومن قال بلسانه ما ليس في قلبه فهو كاذب منافق، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: ١٦٦، ١٦٧] ، فلما قال في آية البر: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧] دل على أن المراد: صدقوا في قولهم: آمنا؛ فإن هذا هو القول الذي أمروا به وكانوا يقولونه.

ولم يؤمروا أن يلفظوا بألسنتهم ويقولوا: نحن أبْرَارٌ أو بَرَرَةٌ؛ بل إذا قال الرجل: أنا بر فهذا مُزَكٍّ لنفسه؛

<<  <   >  >>