للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق إليه أقرب من الافتقار، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: ١٥٤] ، فأخبر أن الهدى والرحمة للذين يرهبون الله.

قال مجاهد وإبراهيم: هو الرجل يريد أن يذنب الذنب، فيذكر مقام الله، فيدع الذنب. رواه ابن أبي الدنيا، عن ابن الجَعْدِ، عن شعبة، عن منصور، عنهما، في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} . وهؤلاء هم أهل الفلاح المذكورون في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ٥] . وهم [المؤمنون] ، وهم [المتقون] المذكورون في قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١، ٢] ، كما قال في آية البر: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧] . وهؤلاء هم المتبعون للكتاب، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: ١٢٣] . وإذا لم يضل فهو متبع مهتد، وإذا لم يَشْقَ فهو مرحوم. وهؤلاء هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين. فإن أهل الرحمة ليسوا مغضوباً عليهم، وأهل الهدى ليسوا ضالين، فتبين أن أهل رهبة الله يكونون متقين لله، مستحقين لجنته بلا عذاب. وهؤلاء هم الذين أتوا بالإيمان الواجب.

ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: ٢٨] ، والمعنى: أنه لا يخشاه إلا عالم، فقد أخبر الله أن كل من خشى الله فهو عالم، كما قال في الآية الأخرى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: ٩] ، والخشية أبداً متضمنة للرجاء، ولولا ذلك لكانت قنوطاً؛ كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً؛ فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله.

<<  <   >  >>