للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترك الأهواء المحبوبة إليهم أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم ويعادونهم فيكونون من أكفر الناس كإبليس وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق. ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل، إنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم، كقولهم لنوح {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: ١١١] ، ومعلوم أن اتباع الأرذلين له لا يقدح في صدقه، لكن كرهوا مشاركة أولئك، كما طلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الضعفاء، كسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وخَبَّاب بن الأرَتّ، وعمار بن ياسر، وبلال ونحوهم، وكان ذلك بمكة قبل أن يكون في الصحابة أهل الصُّفَّة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٢، ٥٣] .

ومثل قول فرعون: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: ٤٧] ، وقول فرعون: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: ١٨، ١٩] ، ومثل قول مشركي العرب: {إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} قال الله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا} [القصص: ٥٧] ، ومثل قول قوم شعيب له: {أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} [هود: ٨٧] ومثل قول عامة المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣] .

وهذه الأمور وأمثالها ليست حججا تقدح في صدق الرسل، بل تبين أنها تخالف إرادتهم وأهواءهم وعاداتهم. فلذلك لم يتبعوهم، وهؤلاء كلهم كفار، بل أبو طالب وغيره كانوا يحبون النبي صلىالله عليه وسلم ويحبون علو كلمته، وليس عندهم حسد له، وكانوا يعلمون صدقه، ولكن كانوا يعلمون أن في متابعته فراق دين آبائهم وذم قريش لهم، فما احتملت نفوسهم ترك تلك العادة واحتمال هذا

<<  <   >  >>