للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له: هذا كان في أول الأمر، وبعد هذا أنزل الله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} فعلموا أنهم إن أظهروه كما كانوا يظهرونه قتلوا، فكتموه.

والزنديق: هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا: ولا تعلم توبته؛ لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق، ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم، والقرآن قد توعدهم بالتقتيل.

والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظاهر الذي علقت به الأحكام الظاهرة، وإلا فقد ثبت عنه أن سعداً لما شهد لرجل أنه مؤمن قال: " أو مسلم " وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأَمَة وزيادة، فيجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب؛ فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكَرَّامية الذين يسمون المنافق مؤمناً ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن. وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم بسبب شبهة المرجئة؛ في أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل؛ ولهذا أكثر ما اشترط الفقهاء في الرَّقَبَةِ التي تجزئ في الكفارة العمل الظاهر، فتنازعوا: هل يجزئ الصغير؟ على قولين معروفين للسلف، هما روايتان عن أحمد، فقيل: لا يجزئ عتقه؛ لأن الإيمان قول وعمل، والصغير لم يؤمن بنفسه إنما إيمانه تَبَعٌ لأبويه في أحكام الدنيا، ولم يشترط أحد أن يعلم أنه مؤمن في الباطن، وقيل: بل يجزئ عتقه؛ لأن العتق من الأحكام الظاهرة وهو تبع لأبويه، فكما أنه يرث منهما ويصلي عليه، ولا يصلي إلا على مؤمن، فإنه يعتق.

وكذلك المنافقون الذين لم يظهروا نفاقهم، يصلى عليهم إذا ماتوا، ويدفنون في مقابر المسلمين من عهد النبي صلىالله عليه وسلم، والمقبرة التي كانت للمسلمين في حياته

<<  <   >  >>