للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال محمد بن نصر: حدثنا إسحاق، أنبأنا جَرِير، عن مُغِيرة، قال: أتيت إبراهيم النَّخَعِي، فقلت: إن رجلاً خاصمني يقال له: سعيد العَنْبَرِيّ، فقال إبراهيم: ليس بالعنبري ولكنه زُبٍيْدِيّ. قوله: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] فقال: هو الاستسلام، فقال إبراهيم: لا، هو الإسلام.

وقال: حدثنا محمد بن يحيي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن مجاهد: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} ، قال: استسلمنا خوف السبي والقتل، ولكن هذا منقطع، سفيان لم يدرك مجاهداً، والذين قالوا: إن هذا الإسلام هو كإسلام المنافقين، لا يثابون عليه، قالوا: لأن الله نفى عنهم الإيمان، ومن نفى عنه الإيمان فهو كافر، وقال هؤلاء: الإسلام هو الإيمان، وكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم، ومن جعل الفساق مسلمين غير مؤمنين، لزمه ألاّ يجعلهم داخلين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] ، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] وأمثال ذلك، فإنهم إنما دعوا باسم الإيمان، لا باسم الإسلام، فمن لم يكن مؤمناً لم يدخل في ذلك.

وجواب هذا أن يقال: الذين قالوا من السلف: إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام، لم يقولوا: إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل هذا قول الخوارج، والمعتزلة. وأهل السنة الذين قالوا هذا يقولون: الفساق يخرجون من النار بالشفاعة، وإن معهم إيماناً يخرجون به من النار. لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب، ودخول الجنة، وهؤلاء ليسوا من أهله، وهم يدخلون في الخطاب بالإيمان؛ لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان وإن لم يستكمله، فإنه إنما خوطب ليفعل تمام الإيمان، فكيف يكون قد أتمه قبل الخطاب؟ ! وإلا كنا قد تبينا أن هذا المأمور من الإيمان قبل الخطاب، وإنما صار من الإيمان بعد أن أمروا به، فالخطاب ب {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، غير قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ

<<  <   >  >>