وقد جمع الله بين وصفهم بوجل القلب إذا ذكر، وبزيادة الإيمان إذا سمعوا آياته. قال الضحاك: زادتهم يقينا. وقال الربيع بن أنس: خشية. وعن ابن عباس: تصديقاً. وهكذا قد ذكر الله هذين الأصلين في مواضع، قال تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: ١٦]
والخشوع يتضمن معنيين:
أحدهما: التواضع والذل.
والثاني: السكون والطمأنينة، وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته أيضاً؛ ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا، وهذا؛ التواضع والسكون. وعن ابن عباس في قوله:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون: ٢] قال: مخبتون أذلاء. وعن الحسن وقتادة: خائفون. وعن مقاتل: متواضعون. وعن علِيّ: الخشوع في القلب، وأن تلِين للمرء المسلم كنفك، ولا تلتفت يمينا ولا شمالا. وقال مجاهد: غَضُّ البصر وخَفْض الْجنَاح، وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة يهاب الرحمن أن يشد بصره، أو أن يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا.
وعن عمرو بن دينار: ليس الخشوع الركوع والسجود، ولكنه السكون وحب حسن الهيئة في الصلاة. وعن ابن سِيرِين وغيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء، وينظرون يمينًا وشمالاً حتى نزلت هذه:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} الآية [المؤمنون: ١، ٢] ، فجعلوا بعد ذلك أبصارهم حيث يسجدون، وما رؤي أحد منهم بعد ذلك ينظر إلا إلى