للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قوله: {كَآفَّةً} فقد قيل: المراد ادخلوا كلكم. وقيل: المراد به ادخلوا في الإسلام جميعه، وهذا هو الصحيح، فإن الإنسان لا يؤمر بعمل غيره، وإنما يؤمر بما يقدر عليه، وقوله: {ادْخُلُوا} خطاب لهم كلهم فقوله: {كَآفَّةً} إن أريد به مجتمعين لزم أن يترك الإنسان الإسلام حتى يسلم غيره فلا يكون الإسلام مأموراً به إلا بشرط موافقة الغير له كالجمعة، وهذا لا يقوله مسلم، وإن أريد بكافة: أي: ادخلوا جميعكم، فكل أوامر القرآن كقوله: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد: ٧] ، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: ٥٦] كلها من هذا الباب، وما قيل فيها كافة، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} [التوبة: ٣٦] أي: قاتلوهم كلهم لا تدعوا مشركاً حتى تقاتلوه، فإنها أنزلت بعد نبذ العهود، ليس المراد: قاتلوهم مجتمعين أو جميعكم، فإن هذا لا يجب، بل يقاتلون بحسب المصلحة، والجهاد فرض على الكفاية، فإذا كانت فرائض الأعيان لم يؤكد المأمورين فيها بكافة، فكيف يؤكد بذلك في فروض الكفاية؟ ! وإنما المقصود تعميم المقاتلين. وقوله: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} [التوبة: ٣٦] فيه احتمالان.

والمقصود أن اللّّه أمر بالدخول في جميع الإسلام كما دل عليه هذا الحديث، فكل ما كان من الإسلام وجب الدخول فيه، فإن كان واجباً على الأعيان لزمه فعله، وإن كان واجباً على الكفاية اعتقد وجوبه، وعزم عليه إذا تعين، أو أخذ بالفضل ففعله، وإن كان مستحباً اعتقد حسنه وأحب فعله، وفي حديث جرير: أن رجلاً قال: يا رسول الله، صِفْ لي الإسلام. قال: " تشهد أن لا إله إلا الله، وتُقِرُّ بما جاء من عند الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت " قال: أقررت، في قصة طويلة فيها: أنه وقع في أخَاقِيقَ جُرْذَان، وأنه قتل وكان جائعا، وملكان يَدُسَّان في شِدْقِه من ثمار الجنة، فقوله: " وتقر بما جاء من عند الله ". هو الإقرار بأن محمداً رسول الله فإنه هو الذي جاء بذلك.

<<  <   >  >>