للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باطناً وظاهراً معهم هذا الإسلام بلوازمه من الإيمان، ولم يصلوا إلى اليقين والجهاد، فهؤلاء يثابون على إسلامهم وإقرارهم بالرسول مجملاً، وقد لا يعرفون أنه جاء بكتاب، وقد لا يعرفون أنه جاءه ملك، ولا أنه أخبر بكذا، وإذا لم يبلغهم أن الرسول أخبر بذلك لم يكن عليهم الإقرار المفصل به، لكن لابد من الإقرار بأنه رسول الله، وأنه صادق في كل ما يخبر به عن الله.

ثم الإيمان الذي يمتاز به فيه تفصيل، وفيه طمأنينة ويقين، فهذا متميز بصفته وقدره في الكمية والكيفية، فإن أولئك معهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وتفصيل المعاد والقدر ما لا يعرفه هؤلاء.

وأيضاً، ففي قلوبهم من اليقين والثبات ولزوم التصديق لقلوبهم ما ليس مع هؤلاء، وأولئك هم المؤمنون حقاً، وكل مؤمن لابد أن يكون مسلماً، فإن الإيمان يستلزم الأعمال، وليس كل مسلم مؤمناً هذا الإيمان المطلق؛ لأن الاستسلام لله والعمل له لا يتوقف على هذا الإيمان الخاص، وهذا الفرق يجده الإنسان من نفسه ويعرفه من غيره، فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئًا فشيئًا إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد، ولو شُكِّكوا لشَكُّوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الرَّيْبَ، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب، وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع من النفاق.

وكذلك إذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا، كانوا من أهل الوعيد؛ ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم عامة أهلها، فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق. فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة، ولم يكونوا

<<  <   >  >>