للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرابع: أن من الناس من يقول: الإيمان أصله في اللغة من الأمن الذي هو ضد الخوف فآمن أي: صار داخلاً في الأمن وأنشدوا. . .

وأما المقدمة الثانية، فيقال: إنه إذا فرض أنه مرادف للتصديق فقولهم: إن التصديق لا يكون إلا بالقلب أو اللسان؛ عنه جوابان:

أحدهما: المنع، بل الأفعال تسمى تصديقاً، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ذلك ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ". وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف. قال الجوهري: والصدّيق مثال الفسّيق: الدائم التصديق. ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وهذا مشهور عن الحسن يروى عنه من غير وجه، كما رواه عباس الدوري: حدثنا حجاج، حدثنا أبو عبيدة الناجي عن الحسن قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال. من قال حسناً وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل؛ ذلك بأن الله يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] ورواه ابن بطة من الوجهين.

وقوله: " ليس الإيمان بالتمني " يعني: الكلام، وقوله: [بالتحلي] يعني: أن يصير حلية ظاهرة له، فيظهره من غير حقيقة من قلبه، ومعناه: ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، فالعمل يصدق أن في القلب إيماناً وإذا لم يكن عمل، كذب أن في قلبه إيماناً؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر. وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.

وقد روى محمد بن نصر المروزي بإسناده، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن هذه المسائل. فأجابه عنها: سألت عن الإيمان،

<<  <   >  >>