للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان من مضى من سلفنا، لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل. فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله كان في الآخرة من الخاسرين. وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقاً للقول، ورووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه معاذ بن أسد: حدثنا الفضيل بن عياض، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان. فقال: " الإيمان: الإقرار والتصديق بالعمل "، ثم تلا {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧] .

قلت: حديث أبي ذر هذا مروي من غير وجه، فإن كان هذا اللفظ هو لفظ الرسول، فلا كلام، وإن كانوا رووه بالمعنى، دل على أنه من المعروف في لغتهم أنه يقال: صدق قوله بعمله، وكذلك قال شيخ الإسلام الهروي: الإيمان تصديق كله.

وكذلك الجواب الثاني: أنه إذا كان أصله التصديق، فهو تصديقمخصوص، كما أن الصلاة دعاء مخصوص، والحج قصد مخصوص، والصيام إمساك مخصوص، وهذا التصديق له لوازم صارت لوازمه داخلة في مسماه عند الإطلاق، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، ويبقى النزاع لفظيًا: هل الإيمان دال على العمل بالتضمن أو باللزوم؟

<<  <   >  >>