للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثلاثين] في بيان تفصيل الإسلام والإيمان، وشرح عقود معاملة القلب من مذهب أهل الجماعة، وهذا الذي قاله أجود مما قاله كثير من الناس، لكن ينازع في شيئين:

أحدهما: أن المسلم المستحق للثواب لابد أن يكون معه الإيمان الواجب المفصل المذكور في حديث جبريل.

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يطلق مؤمناً دون مسلم، في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أو مسلم " لكونه ليس من خواص المؤمنين وأفاضلهم، كأنه يقول: لكونه ليس من السابقين المقربين، بل من المقتصدين الأبرار، فهذان مما تنازع فيهما جمهور العلماء، ويقولون: لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل: " أو مسلم " لكونه لم يكن من خواص المؤمنين وأفاضلهم كالسابقين المقربين، فإن هذا لو كان كذلك لكان ينفي الإيمان المطلق عن الأبرار المقتصدين المتقين، الموعودين بالجنة بلا عذاب إذا كانوا من أصحاب اليمين، ولم يكونوا من السابقين والمقربين، وليس الأمر كذلك، بل كل من أصحاب اليمين مع السابقين المقربين، كلهم مؤمنون موعودون بالجنة بلا عذاب، وكل من كان كذلك فهو مؤمن باتفاق المسلمين من أهل السنة وأهل البدع، ولو جاز أن ينفي الإيمان عن شخص لكون غيره أفضل منه إيماناً نفى الإيمان عن أكثر أولياء الله المتقين، بل وعن كثير من الأنبياء، وهذا في غاية الفساد، وهذا من جنس قول من يقول: نفى الاسم لنفي كماله المستحب.

وقد ذكرنا أن مثل هذا لا يوجد في كلام الله ورسوله، بل هذا الحديث خص من قيل فيه: مسلم وليس بمؤمن، فلابد أن يكون ناقصاً عن درجة الأبرار المقتصدين أهل الجنة، ويكون إيمانه ناقصاً عن إيمان هؤلاء كلهم، فلا يكون قد أتى بالإيمان الذي أمر به هؤلاء كله، ثم إن كان قادراً على ذلك الإيمان وترك الواجب، كان مستحقاً للذم، وإن قدر أنه لا يقدر على ذلك الإيمان الذي اتصف به هؤلاء، كان عاجزاً عن مثل إيمانهم، ولا يكون هذا وجب عليه، فهو وإن دخل الجنة لا يكون كمن قدر أنه آمن إيماناً مجملاً، ومات قبل أن يعلم تفصيل الإيمان وقبل أن يتحقق به ويعمل بشيء منه، فهو يدخل الجنة، لكن لا يكون مثل أولئك.

<<  <   >  >>