للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذه السكينة قد لا تكون مقدورة، ولكن الله يجعل ذلك في قلبه، فضلاً منه وجزاء على عمل سابق، كما قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: ٦٦: ٦٨] ، كما قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: ٢٨] ، وكما قال: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة: ٢٢] ؛ ولهذا قيل: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، وهذا الجنس غير مقدور للعباد، وإن كان ما يقدرون عليه من الأعمال الظاهرة والباطنة هو أيضاً بفضل الله وإعانته وإقداره لهم، لكن الأمور قسمان: منه ما جنسه مقدور لهم لإعانة الله لهم، كالقيام والقعود، ومنه ما جنسه غير مقدور لهم، إذا قيل: إن الله يعطي من أطاعه قوة في قلبه وبدنه يكون بها قادراً على ما لا يقدر عليه غيره، فهذا أيضاً حق وهو من جنس هذا المعنى، قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} [الأنفال: ١٢] ، وقد قال: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} [الأنفال: ٤٥] ، فأمرهم بالثبات وهذا الثبات، يوحى إلى الملائكة أنهم يفعلونه بالمؤمنين.

والمقصود أنه قد يكون من الإيمان ما يؤمر به بعض الناس ويذم على تركه، ولا يذم عليه بعض الناس ممن لا يقدر عليه، ويفضل الله ذاك بهذا الإيمان، وإن لم يكن المفضول ترك واجباً، فيقال: وكذلك في الأعمال الظاهرة يؤمر القادر على الفعل بما لا يؤمر به العاجز عنه، ويؤمر بعض الناس بما لا يؤمر به غيره، لكن الأعمال الظاهرة قد يعطي الإنسان مثل أجر العامل إذا كان يؤمن بها ويريدها جهده، ولكن بدنه عاجز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إن بالمدينة لرجالاً ما سِرْتُم مَسِيرًا ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم " قالو: وهم بالمدينة؟ قال: " وهم بالمدينة حبسهم العذر "، وكما قال تعالي: {لاَّ يَسْتَوِي

<<  <   >  >>