للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ} [آل عمران: ٧٢، ٧٣] ، وقال في الآية الأخرى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] ، وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: ٧٥] ، وقال: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء} [الفتح: ١٤]

وقد بين في مواضع أسباب المغفرة وأسباب العذاب، وكذلك يرزق من يشاء بغير حساب، وقد عرف أنه قد يخص من يشاء بأسباب الرزق.

وإذا كان من الإيمان ما يعجز عنه كثير من الناس، ويختص الله به من يشاء، فذلك مما يفضلهم الله به، وذلك الإيمان ينفي عن غيرهم، لكن لا على وجه الذم بل على وجه التفضيل، فإن الذم إنما يكون على ترك مأمور أو فعل محظور. لكن على ما ذكره أبو طالب، يقال: فمثل هؤلاء مسلمون لا مؤمنون باعتبار، ويقال: إنهم مؤمنون باعتبار آخر، وعلى هذا ينفي الإيمان عمن فاته الكمال المستحب، بل الكمال الذي يفضل به على من فاته، وإن كان غير مقدور للعباد بل ينفي عنه الكمال الذي وجب على غيره، وإن لم يكن في حقه لا واجباً ولا مستحباً، لكن هذا لا يعرف في كلام الشارع، ولم يعرف في كلامه إلا أن نفي الإيمان يقتضي الذم حيث كان، فلا ينفي إلا عمن له ذنب، فتبين أن قوله: " أو مسلم " توقف في أداء الواجبات الباطنة والظاهرة كما قال جماهير الناس.

ثم طائفة يقولون: قد يكون منافقاً ليس معه شيء من الإيمان، وهم الذين يقولون: الأعراب المذكورون منافقون ليس معهم من الإيمان شيء، وهذا هو القول الذي نصره طائفة، كمحمد بن نصر، والأكثرون يقولون: بل هؤلاء لم يكونوا من المنافقين الذين لا يقبل منهم شيء من أعمالهم، وإن كان فيهم شعبة نفاق، بل كان معهم تصديق يقبل معه منهم ما عملوه لله؛ ولهذا جعلهم مسلمين؛ ولهذا قال: {أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧] ، كما قالوا مثل ذلك في الزاني والسارق وغيرهما ممن نفى عنه الإيمان، مع أن معه التصديق. وهذا أصح الأقوال الثلاثة فيهم.

<<  <   >  >>