للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجب عليه، لأنه قادر عليه، وغيره عاجز عنه فلا يجب. فهذا قد فضل بإيمان واجب عليه وليس بواجب على من عجز عنه.

وهذا حال جميع الأمة فيما تنازعت فيه من المسائل الخبرية والعملية، إذا خص أحدهما بمعرفة الحق في نفس الأمر مع اجتهاد الآخر وعجزه، كلاهما محمود مثاب مؤمن، وذلك خصه الله من الإيمان الذي وجب عليه بما فضله به على هذا. وذلك المخطئ لا يستحق ذماً ولا عقاباً، وإن كان ذاك لو فعل ما فعل ذم وعوقب، كما خص الله أمة نبينا بشريعة فضلها به، ولو تركنا مما أمرنا به فيها شيئًا، لكان ذلك سبباً للذم والعقاب، والأنبياء قبلنا لا يذمون بترك ذلك، لكن محمد صلى الله عليه وسلم فضله الله على الأنبياء، وفضل أمته على الأمم من غير ذم لأحد من الأنبياء، ولا لمن اتبعهم من الأمم.

وأيضاً، فإذا كان الإنسان لا يجب عليه شيء من الإيمان إلا ما يقدر عليه، وهو إذا فعل ذلك كان مستحقاً لما وعد الله به من الجنة، فلو كان مثل هذا يسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً، لوجب أن يكون من أهل الوعد بالجنة من يسمى مسلماً لامؤمناً كالأعراب، وكالشخص الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " أو مسلم " وكسائر من نفى عنه الإيمان مع أنه مسلم، كالزاني، والشارب، والسارق، ومن لا يأمن جاره بوائقه، ومن لا يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وغير هؤلاء، وليس الأمر كذلك.

فإن الله لم يعلق وعد الجنة إلا باسم الإيمان، لم يعلقه باسم الإسلام مع إيجابه الإسلام، وإخباره أنه دينه الذي ارتضاه، وأنه لا يقبل ديناً غيره، ومع هذا فما قال: إن الجنة أعدت للمسلمين، ولا قال: وعد الله المسلمين بالجنة، بل إنما ذكر ذلك باسم الإيمان، كقوله: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: ٧٢] ، فهو يعلقها باسم الإيمان المطلق، أو المقيد بالعمل الصالح، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البينة: ٧، ٨] ، وقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} [البقرة:

<<  <   >  >>