للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا عمل العبد صالحاً لله، فهذا هوالإسلام الذي هو دين الله، ويكونمعه من الإيمان ما يحشر به مع المؤمنين يوم القيامة، ثم إن كان معه من الذنوب ما يعذب به عذب وأخرج من النار، إذا كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان وإن كان معه نفاق؛ ولهذا قال تعالى في هؤلاء: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١٤٦] ، فلم يقل: إنهم مؤمنون بمجرد هذا؛ إذ لم يذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، بل هم معهم، وإنما ذكر العمل الصالح وإخلاصه لله، وقال: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} فيكون لهم حكمهم.

وقد بين تفاضل المؤمنين في مواضع أخر، وأنه من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة نفاق وأتى بالكبائر، فذاك من أهل الوعيد، وإيمانه ينفعه الله به، ويخرجه به من النار ولو أنه مثقال حبة خردل لكن لا يستحق به الاسم المطلق المعلق به وعد الجنة بلا عذاب. وتمام هذا أن الناس قد يكون فيهم من معه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب الكفر أو النفاق، ويسمى مسلماً، كما نص عليه أحمد.

وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب النفاق، وقد يكون مسلماً وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية، كما قال الصحابة ابن عباس وغيره: كفر دون كفر. وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره ممن قال في السارق، والشارب، ونحوهم ممن قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس بمؤمن " أنه يقال لهم: مسلمون لا مؤمنون، واستدلوا بالقرآن والسنة على نفي اسم الإيمان مع إثبات اسم الإسلام، وبأن الرجل قد يكون مسلماً ومعه كفر لا ينقل عن الملة، بل كفر دون كفر، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] قالوا: كفر لا ينقل عن الملة، وكفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.

<<  <   >  >>