للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجنة " وأمثال هذه النصوص، وكان يستدل به أحمد وغيره على الاستثناء في الإيمان، كما نذكره في موضعه.

والمقصود أن خير المؤمنين في أعلى درجات الجنة، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، وإن كانوا في الدنيا مسلمين ظاهراً تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، فمن كان فيه إيمان ونفاق يسمى مسلماً؛ إذ ليس هو دون المنافق المحض، وإذا كان نفاقه أغلب لم يستحق اسم الإيمان، بل اسم المنافق أحق به، فإن ما فيه بياض وسواد، سواده أكثر من بياضه، هو باسم الأسود أحق منه باسم الأبيض، كما قال تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران: ١٦٧] ، وأما إذا كان إيمانه أغلب ومعه نفاق يستحق به الوعيد، لم يكن أيضاً من المؤمنين الموعودين بالجنة، وهذا حجة لما ذكره محمد بن نصر عن أحمد، ولم أره أنا فيما بلغني من كلام أحمد ولا ذكره الخلال ونحوه.

وقال محمد بن نصر: وحكى غير هؤلاء عن أحمد أنه قال: من أتى هذه الأربعة: الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والنُّهْبَة التي يرفع الناس فيها أبصارهم إليه، أو مثلهن أو فوقهن، فهو مسلم ولا أسميه مؤمنًا، ومن أتى دون الكبائر نسميه مؤمناً ناقص الإيمان، فإن صاحب هذا القول يقول: لما نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان، نفيته عنه كما نفاه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول لم ينفه إلا عن صاحب كبيرة، وإلا فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة هي مكفرة عنه بفعله للحسنات واجتنابه للكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر، فما أتى بالإيمان الواجب، ولكن خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقصت بذلك درجته عمن لم يأت بذلك.

وأما الذين نفى عنهم الرسول الإيمان، فننفيه كما نفاه الرسول، وأولئك وإن كان معهم التصديق وأصل الإيمان فقد تركوا منه ما استحقوا لأجله سلب الإيمان، وقد يجتمع في العبد نفاق وإيمان، وكفر وإيمان، فالإيمان المطلق عند هؤلاء ما كان صاحبه مستحقاً للوعد بالجنة.

وطوائف أهل الأهواء من الخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والمرجئة، كَرَّاميهم، وغير كرَّاميهم يقولون: إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق، ومنهم من يدعي

<<  <   >  >>