للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظن أنهم يجعلونها شيئًا واحدًا، وليس كذلك، فإن الإيمان مستلزم للإسلام باتفاقهم، وليس إذا كان الإسلام داخلاً فيه يلزم أن يكون هو إياه، وأما الإسلام فليس معه دليل على أنه يستلزم الإيمان عند الإطلاق، ولكن هل يستلزم الإيمان الواجب أو كمال الإيمان؟ فيه نزاع، وليس معه دليل على أنه مستلزم للإيمان ولكن الأنبياء الذين وصفهم الله بالإسلام كلهم كانوا مؤمنين، وقد وصفهم الله بالإيمان ولو لم يذكر ذاك عنهم فنحن نعلم قطعًا أن الأنبياء كلهم مؤمنون.

وكذلك السابقون الأولون كانوا مسلمين مؤمنين، ولو قدر أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب، فغاية ما يقال: إنهما متلازمان، فكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وهذا صحيح إذا أريد أن كل مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب، وهو متفق عليه إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته، فلابد أن يكون معه أصل الإيمان فما من مسلم إلا وهو مؤمن، وإن لم يكن هو الإيمان الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم، عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وعمن يفعل الكبائر، وعن الأعراب وغيرهم، فإذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر، كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن، ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر، فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيًا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت جسد بلا روح، فما من بدن حي إلا وفيه روح، ولكن الأرواح متنوعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " وليس كل من صلى ببدنه يكون قلبه منورًا بذكر الله والخشوع وفهم القرآن وإن كانت صلاته يثاب عليها ويسقط عنه الفرض في أحكام الدنيا فهكذا الإسلام الظاهر بمنزلة الصلاة الظاهرة، والإيمان بمنزلة ما يكون في القلب حين الصلاة من المعرفة بالله

<<  <   >  >>