للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخشوع وتدبر القرآن، فكل من خشع قلبه خشعت جوارحه، ولا ينعكس؛ ولهذا قيل: إياكم وخشوع النفاق، وهو أن يكون الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع، فإذا صلح القلب صلح الجسد كله، وليس إذا كان الجسد في عبادة يكون القلب قائمًا بحقائقها.

والناس في [الإيمان] و [الإسلام] على ثلاث مراتب: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، فالمسلم ظاهرًا وباطنًا إذا كان ظالمًا لنفسه، فلابد أن يكون معه إيمان، ولكن لم يأت بالواجب ولا ينعكس، وكذلك في الآخر. وسيأتي إن شاء الله.

والآيات التي احتج بها محمد بن نصر تدل على وجوب الإسلام، وأنه دين الله، وأن الله يحبه ويرضاه، وأنه ليس له دين غيره، وهذا كله حق، لكن ليس في هذا ما يدل على أنه هو الإيمان، بل ولا يدل على أن بمجرد الإسلام يكون الرجل من أهل الجنة، كما ذكره في حجة القول الأول، فإن الله وعد المؤمنين بالجنة في غير آية، ولم يذكر هذا الوعد باسم الإسلام. وحينئذ، فمدحه وإيجابه ومحبة الله له تدل على دخوله في الإيمان، وأنه بعض منه، وهذا متفق عليه بين أهل السنة، كلهم يقولون: كل مؤمن مسلم، وكل من أتى بالإيمان الواجب فقد أتى بالإسلام الواجب، لكن النزاع في العكس، وهذا كما أن الصلاة يحبها الله ويأمر بها، ويوجبها ويثنى عليها وعلى أهلها في غير موضع، ثم لم يدل ذلك على أن مسمى الصلاة مسمى الإيمان، بل الصلاة تدخل في الإيمان، فكل مؤمن مصل، ولا يلزم أن يكون كل من صلى وأتى الكبائر مؤمنا.

وجميع ما ذكره من الحجة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيها التفريق بين مسمى الإيمان والإسلام إذا ذكرا جميعًا، كما في حديث جبريل وغيره، وفيها أيضًا أن اسم الإيمان إذا أطلق دخل فيه الإسلام. قال أبو عبد الله بن حامد في كتابه المصنف في [أصول الدين]

قد ذكرنا أن الإيمان قول وعمل، فأما الإسلام فكلام أحمد يحتمل روايتين: إحداهما: أنه كالإيمان. والثانية: أنه قول بلا عمل. وهو نصه في رواية

<<  <   >  >>