للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يؤول إليه اللفظ، كقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن، وإلا فما ذكره التابعون لا يخالف ظاهر الحديث بل يوافقه، وقول أحمد يتأوله، أي يفسر معناه، وإن كان ذلك يوافق ظاهره لئلا يظن مبتدع أن معناه: أنه صار كافرًا لا إيمان معه بحال، كما تقوله الخوارج، فإن الحديث لا يدل على هذا، والذي نفى عن هؤلاء الإيمان كان يجعلهم مسلمين لا يجعلهم مؤمنين.

قال المروزي: قيل لأبي عبد الله: نقول: نحن المؤمنون؟ فقال: نقول: نحن المسلمون. قلت لأبي عبد الله: نقول: إنا مؤمنون. قال: ولكن نقول: إنا مسلمون، وهذا لأن من أصله الاستثناء في الإيمان؛ لأنه لا يعلم أنه مؤد لجميع ما أمره الله به، فهو مثل قوله: أنا بر، أنا تقي، أنا ولي الله، كما يذكر في موضعه، وهذا لا يمنع ترك الاستثناء إذا أراد: أني مصدق، فإنه يجزم بما في قلبه من التصديق، ولا يجزم بأنه ممتثل لكل ما أمر به، وكما يجزم بأنه يحب الله ورسوله، فإنه يبغض الكفر، ونحو ذلك مما يعلم أنه في قلبه، وكذلك إذا أراد بأنه مؤمن في الظاهر، فلا يمنع أن يجزم بما هو معلوم له، وإنما يكره ما كرهه سائر العلماء من قول المرجئة؛ إذ يقولون: الإيمان شيء متماثل في جميع أهله، مثل كون كل إنسان له رأس، فيقول أحدهم: أنا مؤمن حقًا، وأنا مؤمن عند الله، ونحو ذلك، كما يقول الإنسان: لي رأس حقًا، وأنا لي رأس في علم الله حقًا، فمن جزم به على هذا الوجه، فقد أخرج الأعمال الباطنة والظاهرة عنه، وهذا منكر من القول وزور عند الصحابة والتابعين، ومن اتبعهم من سائر المسلمين، وللناس في مسألة الاستثناء كلام يذكر في موضعه.

والمقصود هنا: أن هنا قولين متطرفين؛ قول من يقول: الإسلام مجرد الكلمة، والأعمال الظاهرة ليست داخلة في مسمى

<<  <   >  >>