للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام، وقول من يقول: مسمى الإسلام والإيمان واحد، وكلاهما قول ضعيف مخالف لحديث جبريل، وسائر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا لما نصر محمد بن نصر المروزي القول الثاني، لم يكن معه حجة على صحته، ولكن احتج بما يبطل به القول الأول، فاحتج بقوله في قصة الأعراب: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧] ، قال: فدل ذلك على أن الإسلام هو الإيمان، فيقال: بل يدل على نقيض ذلك؛ لأن القوم لم يقولوا: أسلمنا، بل قالوا: آمنا، والله أمرهم أن يقولوا: أسلمنا، ثم ذكر تسميتهم بالإسلام فقال: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم: {آمّنَّا} ولو كان الإسلام هو الإيمان لم يحتج أن يقول: {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، فإنهم صادقون في قولهم: {أَسْلَمنا} مع أنهم لم يقولوا، ولكن الله قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} أي يمنون عليك ما فعلوه من الإسلام، فالله تعالى سمى فعلهم إسلامًا، وليس في ذلك ما يدل على أنهم سموه إسلامًا، وإنما قالوا: آمنا، ثم أخبر أن المنة تقع بالهداية إلى الإيمان، فأما الإسلام الذي لا إيمان معه، فكان الناس يفعلونه خوفًا من السيف، فلا منة لهم بفعله وإذا لم يمن الله عليهم بالإيمان كان ذلك كإسلام المنافقين فلا يقبله الله منهم، فأما إذا كانوا صادقين في قولهم: آمنا، فالله هو المان عليهم بهذا الإيمان وما يدخل فيه من الإسلام، وهو سبحانه نفي عنهم الإيمان أولاً وهنا علق منة الله به على صدقهم فدل على جواز صدقهم.

وقد قيل: إنهم صاروا صادقين بعد ذلك، ويقال: المعلق بشرط لا يستلزم وجود ذلك الشرط، ويقال: لأنه كان معهم إيمان ما. لكن ما هو الإيمان الذي وصفه ثانيًا؟ بل معهم شعبة من الإيمان.

قال محمد بن نصر: وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية [البينة: ٥] ، وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: ١٩] ، فسمى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة دينًا قيمًا، وسمى الدين إسلامًا، فمن لم يؤد الزكاة فقد ترك من الدين القيم الذي أخبر الله أنه عنده الدين وهو الإسلام بعضًا. قال:

<<  <   >  >>