هل تحدونهم وتعرفون عددهم؟ أليس إنما يصيرون في ذلك إلى الإقرار بهم في الجملة، ثم يكفون عن عددهم؟ فكذلك زيادة الإيمان. وبين أحمد أن كونهم لم يعرفوا منتهى زيادته، لا يمنعهم من الإقرار بها في الجملة، كما أنهم يؤمنون بالأنبياء والكتب وهم لا يعرفون عدد الكتب والرسل.
وهذا الذي ذكره أحمد، وذكره محمد بن نصر، وغيرهما، يبين أنهم لم يعلموا عدد الكتب والرسل، وأن حديث أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم. وأما قول من سوى بين الإسلام والإيمان وقال: إن الله سمى الإيمان بما سمى به الإسلام، وسمى الإسلام بما سمى به الإيمان، فليس كذلك، فإن الله ورسوله قد فسر الإيمان بأنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وبين أيضًا أن العمل بما أمر به يدخل في الإيمان، ولم يسم الله الإيمان بملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت إسلامًا، بل إنما سمى الإسلام الاستسلام له بقلبه وقصده وإخلاص الدين والعمل بما أمر به؛ كالصلاة والزكاة خالصًا لوجهه، فهذا هو الذي سماه الله إسلاماً وجعله دينًا، وقال:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران: ٨٥] ، ولم يدخل فيما خص به الإيمان، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، بل ولا أعمال القلوب، مثل حب الله ورسوله ونحو ذلك، فإن هذه جعلها من الإيمان، والمسلم المؤمن يتصف بها، وليس إذا اتصف بها المسلم المؤمن يلزم أن تكون من الإسلام، بل هي من الإيمان، والإسلام فرض، والإيمان فرض، والإسلام داخل فيه، فمن أتى بالإيمان الذي أمر به، فلابد أن يكون قد أتى بالإسلام المتناول لجميع الأعمال الواجبة، ومن أتى بما يسمى إسلامًا لم يلزم أن يكون قد أتى بالإيمان إلا بدليل منفصل، كما علم أن من أثنى الله عليه بالإسلام من الأنبياء وأتباعهم إلى الحواريين كلهم كانوا مؤمنين كما كانوا مسلمين، كما قال الحواريون:{آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران: ٥٢] ، وقال:{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}[المائدة: ١١١] ؛ ولهذا أمرنا الله بهذا وبهذا في خطاب واحد، كما قال: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا