للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حرم النبي صلىالله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مِخْلَب من الطير، ولم يكن هذا نسخاً للكتاب؛ لأن الكتاب لم يحل ذلك، ولكن سكت عن تحريمه، فكان تحريمه ابتداء شرع. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي من طرق من حديث أبي رافع، وأبي ثعلبة، وأبي هريرة، وغيرهم: " لا أَلْفيَنَّ أحدكم متكئا على أريكته؛ يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ". وفي لفظ: " ألا وإنه مثل القرآن أو أكثر، ألا وإني حرمت كل ذي ناب من السباع ". فبين أنه أنزل عليه وحي آخر وهو الحكمة غير الكتاب، وأن الله حرم عليه في هذا الوحي ما أخبر بتحريمه ولم يكن ذلك نسخًا للكتاب؛ فإن الكتاب لم يحل هذه قط، إنما أحل الطيبات، وهذه ليست من الطيبات، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] . فلم تدخل هذه الآية في العموم؛ لكنه لم يكن حرمها؛ فكانت معفوا عن تحريمها، لا مأذونا في أكلها.

وأما الكفار، فلم يأذن الله لهم في أكل شيء، ولا أحل لهم شيئًا، ولا عفا لهم عن شيء يأكلونه، بل قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً} [البقرة: ١٦٨] . فشرط فيما يأكلونه أن يكون حلالاً، وهو المأذون فيه من جهة الله ورسوله، والله لم يأذن في الأكل إلا للمؤمن به؛ فلم يأذن لهم في أكل شيء إلا إذا آمنوا؛ ولهذا لم تكن أموالهم مملوكة لهم ملكاً شرعياً؛ لأن الملك الشرعي هو المقدرة على التصرف الذي أباحه الشارع صلىالله عليه وسلم، والشارع لم يبح لهم تصرفاً في الأموال، إلا بشرط الإيمان، فكانت أموالهم على الإباحة، فإذا قهر طائفة منهم طائفة قهراً يستحلونه في دينهم، وأخذوها منهم، صار هؤلاء فيها كما كان أولئك.

والمسلمون إذا استولوا عليها، فغنموها، ملكوها شرعاً؛ لأن الله أباح لهم الغنائم، ولم يبحها لغيرهم. ويجوز لهم أن يعاملوا الكفار فيما أخذه بعضهم من بعض بالقهر الذي يستحلونه في دينهم، ويجوز أن يشتري من بعضهم ما سباه من غيره؛ لأن هذا

<<  <   >  >>