يعبدون؛ فمن كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت، ويمثل للنصارى المسيح، ولليهود عزير. فيتبع كل قوم ما كانوا يعبدون، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها "، كما سيأتي هذا الحديث إن شاء الله فهؤلاء أهل الشرك الأكبر. وأما عبيد المال الذين كنزوه، وعبيد الرجال الذين أطاعوهم في معاصي الله، فأولئك يعذبون عذابًا دون عذاب أولئك المشركين، إما في عرصات القيامة، وإما في جهنم، ومن أحب شيئًا دون الله عذب به. وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: ٢٥٤] . فالكفر المطلق هو الظلم المطلق؛ ولهذا لا شفيع لأهله يوم القيامة كما نفي الشفاعة في هذه الآية، وفي قوله:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: ١٨، ١٩] ، وقال:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين}[الشعراء: ٩٤: ١٠٢] .
وقوله:{إِذْ نُسَوِّيكُم} لم يريدوا به أنهم جعلوهم مساوين لله من كل وجه، فإن هذا لم يقله أحد من بني آدم، ولا نقل عن قوم قط من الكفار أنهم قالوا: إن هذا العالم له خالقان متماثلان، حتى المجوس القائلين [بالأصلين: النور والظلمة] متفقون على أن النور خير يستحق أن يعبد ويحمد، وأن الظلمة شريرة تستحق أن تذم وتلعن، واختلفوا: هل الظلمة محدثة أو قديمة؟ على قولين، وبكل حال لم يجعلوها مثل النور من كل وجه.
وكذلك مشركو العرب، كانوا متفقين على أن أربابهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، بل كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض وما بينهما، كما أخبر الله عنهم بذلك في غير آية، كقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا