وأما قوله {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم}[آل عمران: ١٣٥] . فهو نكرة في سياق الشرط يعم كل ما فيه ظلم الإنسان نفسه وهو إذا أشرك ثم تاب تاب الله عليه.
وقد تقدم أن ظلم الإنسان لنفسه يدخل فيه كل ذنب كبير أو صغير مع الإطلاق وقال تعالى:{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}[فاطر: ٣٢] فهذا ظلم لنفسه مقرون بغيره فلا يدخل فيه الشرك الأكبر وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه لما أنزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢] . شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم ".
والذين شق ذلك عليهم ظنوا أن الظلم المشروط هو ظلم العبد نفسه وأنه لا يكون الأمن والاهتداء إلا لمن يظلم نفسه فشق ذلك عليهم فبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم ما دلهم على أن الشرك ظلم في كتاب الله تعالى وحينئذ فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم ومن لم يلبس إيمانه به كان من أهل الأمن والاهتداء كما كان من أهل الاصطفاء في قوله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إلى قوله جنات عدن يدخلونها وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلم نفسه إذا لم يتب كما قال تعالى:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة ٧: ٨] وقال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]
وقد سأل أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءا فقال: " يا أبا بكر ألست تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء