الفساد الكفر والمعاصي. وعن مجاهد: ترك امتثال الأوامر واجتناب النواهي. والقولان معناهما واحد. وعن ابن عباس: الكفر. وهذا معنى قول من قال: النفاق الذي صافوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين. وعن أبي العالية ومقاتل: العمل بالمعاصي.
وهذا أيضًا عام كالأولين. وقولهم:{إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[البقرة: ١١] فسر بإنكار ما أقروا به أي: إنا إنما نفعل ما أمرنا به الرسول. وفسر: بأن الذي نفعله صلاح ونقصد به الصلاح وكلا القولين يروى عن ابن عباس وكلاهما حق فإنهم يقولون هذا وهذا , يقولون: الأول لمن لم يطلع على بواطنهم. ويقولون: الثاني لأنفسهم ولمن اطلع على بواطنهم. لكن الثاني يتناول الأول، فإن من جملة أفعالهم إسرار خلاف ما يظهرون وهم يرون هذا صلاحًا قال مجاهد: أرادوا أن مصافاة الكفار صلاح لا فساد.
وعن السدي: إن فعلنا هذا هو الصلاح وتصديق محمد فساد , وقيل: أرادوا أن هذا صلاح في الدنيا فإن الدولة إن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمنوا بمتابعته وإن كانت للكفار، فقد أمنوهم بمصافاتهم. ولأجل القولين قيل في قوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}[البقرة: ١٢] أي لا يشعرون أن ما فعلوه فساد لا صلاح. وقيل: لا يشعرون أن الله يطلع نبيه على فسادهم. والقول الأول يتناول الثاني، فهو المراد كما يدل عليه لفظ الآية. وقال تعالى:{إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[الأعراف: ١٩٦] وقال: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٨١] وقول يوسف {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: ١٠١] .
وقد يقرن أحدهما بما هو أخص منه كقوله:{وَإذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}[البقرة: ٢٠٥] قيل: بالكفر وقيل: بالظلم، وكلاهما صحيح وقال تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا}[القصص: ٨٣] وقد تقدم قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ