فان الغائط في اللغة هو المكان المنخفض من الأرض فلما كانوا ينتابونه لقضاء حوائجهم سموا ما يخرج من الإنسان باسم محله والظعينة اسم الدابة ثم سموا المرأة التي تركبها باسمها ونظائر ذلك والمقصود أن هذه الحقيقة العرفية لم تصر حقيقة لجماعة تواطئوا على نقلها ولكن تكلم بها بعض الناس وأراد بها ذلك المعنى العرفي ثم شاع الاستعمال فصارت حقيقة عرفية بهذا الاستعمال؛ ولهذا زاد من زاد منهم في حد الحقيقة في اللغة التي بها التخاطب ثم هم يعلمون ويقولون: إنه قد يغلب الاستعمال على بعض الألفاظ، فيصير المعنى العرفي أشهر فيه ولا يدل عند الإطلاق إلا عليه، فتصير الحقيقة العرفية ناسخة للحقيقة اللغوية واللفظ مستعمل في هذا الاستعمال الحادث للعرفي وهو حقيقة من غير أن يكون لما استعمل فيه ذلك تقدم وضع فعلم أن تفسير الحقيقة بهذا لا يصح وإن قالوا نعني بما وضع له ما استعملت فيه أولًا، فيقال: من أين يعلم أن هذه الألفاظ التي كانت العرب تتخاطب بها عند نزول القرآن وقبله لم تستعمل قبل ذلك في معنى شيء آخر وإذا لم يعلموا هذا النفي فلا يعلم أنها حقيقة وهذا خلاف ما اتفقوا عليه وأيضًا فيلزم من هذا أن لا يقطع بشيء من الألفاظ أنه حقيقة وهذا لا يقوله عاقل.
ثم هؤلاء الذين يقولون هذا نجد أحدهم يأتي إلى ألفاظ لم يعلم أنها استعملت إلا مقيدة فينطق بها مجردة عن جميع القيود ثم يدعي أن ذلك هو حقيقتها من غير أن يعلم أنها نطق بها مجردة ولا وضعت مجردة مثل أن يقول: حقيقة العين هو العضو المبصر ثم سميت به عين الشمس والعين النابعة وعين الذهب للمشابهة لكن أكثرهم يقولون إن هذا من باب المشترك لا من باب الحقيقة والمجاز فيمثل بغيره مثل لفظ الرأس يقولون: هو حقيقة في رأس الإنسان ثم قالوا: رأس الدرب لاوله ورأس العين لمنبعها ورأس القوم لسيدهم ورأس الأمر لأوله ورأس الشهر ورأس الحول وأمثال ذلك على طريق المجاز وهم لا يجدون قط أن لفظ الرأس استعمل مجردا بل يجدون أنه استعمل بالقيود في رأس الإنسان كقوله