للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا بين وانما يجوزون تأخير بيان ما لم يدل اللفظ عليه كالمجملات. ثم نقول: إذا جوزت تأخير البيان فالبيان قد يحصل بجملة تامة وبأفعال من الرسول وبغير ذلك ولا يكون البيان المتأخر الا مستقلا بنفسه لا يكون مما يجب اقترانه بغيره فان جعلت هذا مجازا لزم أن يكون ما يحتاج في العمل إلى بيان مجازا، كقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: ١٠٣] .

ثم يقال: هب إن هذا جائز عقلا لكن ليس واقعا في الشريعة أصلا وجميع ما يذكر من ذلك باطل كما قد بسط في موضعه فان الذين قالوا: الظاهر الذي لم يرد به ما يدل عليه ظاهره قد يؤخر بيانه احتجوا بقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] . وادعوا أنها كانت معينة وأخر بيان التعيين. وهذا خلاف ما استفاض عن السلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان من أنهم أمروا ببقرة مطلقة فلو أخذوا بقرة من البقر فذبحوها، أجزأ

عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم. والآية نكرة في سياق الاثبات، فهي مطلقة والقرآن يدل سياقه على أن الله ذمهم على السؤال بما هى ولو كان المأمور به معينا لما كانوا ملومين ثم إن مثل هذا لم يقع قط في أمر الله ورسوله أن يأمر عباده بشىء معين ويبهمه عليهم مرة بعد مرة ولا يذكره بصفات تختص به ابتداء.

واحتجوا بأن الله أخر بيان لفظ الصلاة والزكاة والحج وان هذه الالفاظ لها معان في اللغة بخلاف الشرع وهذا غلط فان الله انما أمرهم بالصلاة بعد أن عرفوا المأمور به وكذلك الصيام، وكذلك الحج، ولم يؤخر الله قط بيان شىء من هذه المأمورات ولبسط هذه المسألة موضع آخر.

وأما قول من يقول ان الحقيقة ما يسبق إلى الذهن عند الاطلاق فمن أفسد الأقوال فانه يقال إذا كان اللفظ لم ينطق به الا مقيدا فانه يسبق إلى الذهن في كل موضع منه ما دل عليه ذلك الموضع واما إذا اطلق فهو لا يستعمل في الكلام مطلقا قط فلم يبق له حال اطلاق محض حتى يقال ان الذهن يسبق اليه أم لا.

<<  <   >  >>