فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد توحيد الربوبية ومع هذا يشركون بالله، فيجعلون له أنداداً، يحبونهم كحب الله، ويقولون: إنهم شفعاؤنا عنده، وإنهم يتقربون بهم إليه. فيتخذونهم شفعاء وقرباناً، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}[يونس: ١٨] ، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣] ، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُون}[الأحقاف: ٢٧، ٢٨] .
وهذا التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له، وألا نعبده إلا بما أحبه وما رضيه، وهو ما أمر به وشرعه على ألسن رسله صلوات الله عليهم فهو متضمن لطاعته وطاعة رسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من كل ما سواهما.
وهو يتضمن أن يحب الله حباً لا يماثله ولا يساويه فيه غيره، بل يقتضى أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه.
فإذا كان الرسول لأجل أنه رسول الله يجب أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه، فكيف بربه سبحانه وتعالى؟
وفى صحيح البخاري أن عمر قال: يا رسول الله، والله إنك لأحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي. فقال:" لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك ". قال: فو الذى بعثك بالحق، إنك لأحب إلي من نفسي. قال:" الآن يا عمر ".