مريداً للشفاعة، بعد أن لم يكن مريداً لها، كأمر الآمر الذي يؤثر في المأمور، فيفعل ما أمره به بعد أن لم يكن مريداً لفعله.
وكذلك سؤال المخلوق للمخلوق، فإنه قد يكون محركا له إلى فعل ما سأله.
فالشفيع كما أنه شافع للطالب شفاعته في الطلب، فهو أيضاً قد شفع المشفوع إليه، فبشفاعته صار المشفوع إليه فاعلا للمطلوب، فقد شفع الطالب والمطلوب.
والله تعالى وِتْر، لا يشفعه أحد، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فالأمر كله إليه وحده، فلا شريك له بوجه، ولهذا ذكر سبحانه نفى ذلك في آية الكرسي، التي فيها تقرير التوحيد، فقال:{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥] .
وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، إذا سجد وحمد ربه، يقال له:" ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فيحد له حداً، فيدخلهم الجنة ". فالأمر كله لله، كما قال:{قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}[آل عمران: ١٥٤] ،وقال لرسوله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران: ١٢٨] ، وقال:{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤] .
فإذا كان لا يشفع عند الله أحد إلا بإذنه، فهو يأذن لمن يشاء، ولكن يكرم الشفيع بقبول الشفاعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" اشفعوا تؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء ".
وإذا دعاه الداعي، وشفع عنده الشفيع، فسمع الدعاء، وقبل الشفاعة لم يكن هذا مؤثراً فيه، كما يؤثر المخلوق في المخلوق؛ فإنه سبحانه هو الذي جعل