فالشفاعة مقصودها قبول المشفوع إليه، وهى الشفاعة التامة، فهذه هي التي لا تكون إلا بإذنه، وأما إذا شفع شفيع فلم تقبل شفاعته كانت كعدمها، وكان على صاحبها التوبة والاستغفار منها، كما قال نوح:{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}[هود: ٤٧] ، وكما نهى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وقال له:{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ}[التوبة: ٨٤] ، وقال له:{سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[المنافقون: ٦] ، ولهذا قال على لسان المشركين:{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}[الشعراء: ١٠٠، ١٠١] .
فالشفاعة المطلوبة هي شفاعة المطاع الذي تقبل شفاعته، وهذه ليست لأحد عند الله تعالى إلا بإذنه قدراً وشرعا، فلابد أن يأذن فيها، ولابد أن يجعل العبد شافعا، فهو الخالق لفعله، والمبيح له، كما في الداعي هو الذي أمره بالدعاء، وهو الذي يجعل الداعي داعياً، فالأمر كله لله، خلقاً وأمراً، كما قال:{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤] .
وقد روى في حديث ذكره ابن أبى حاتم وغيره أنه قال:" فمن يثق به، فليدعه " أي: فلم يبق لغيره لا خلق ولا أمر.
ولما كان المراد الشفاعة المثبتة هي الشفاعة المطلقة، وهى المقصود بالشفاعة وهى المقبولة، بخلاف المردودة، فإن أحداً لا يريدها، لا الشافع ولا المشفوع له، ولا المشفوع إليه، ولو علم الشافع والمشفوع له أنها ترد لم يفعلوها. والشفاعة المقبولة هي النافعة، بين ذلك في مثل قوله: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ