للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا غلط، بل هذا هو قول المشركين الذين قالوا: نتولى الملائكة ليشفعوا لنا، يظنون أن من أحب أحدا، من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه، كان ذلك سبباً لشفاعته له. وليس الأمر كذلك بل الشفاعة سببها توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له، فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة، كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة؛ فإن الشفاعة من الله مبدؤها، وعلى الله تعالى تمامها، فلا يشفع أحد إلا بإذنه، وهو الذي يأذن للشافع، وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له.

وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده، وأحق الناس برحمته هم أهل التوحيد والإخلاص له، فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص " لا إله إلا الله " علماً وعقيدة، وعملاً وبراءة، وموالاة ومعاداة، كان أحق بالرحمة.

والمذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخَفَّت موازينهم فاستحقوا النار من كان منهم من أهل " لا إله إلا الله " فإن النار تصيبه بذنوبه، ويميته الله في النار إماتة، فتحرقه النار إلا موضع السجود، ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة، ويدخله الجنة، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.

فبين أن مدار الأمر كله على تحقيق كلمة الإخلاص، وهى " لا إله إلا الله " لا على الشرك بالتعلق بالموتى وعبادتهم، كما ظنه الجاهليون، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين " الحمد " الذي هو رأس الشكر، وبين " التوحيد والاستغفار " إذا رفع رأسه من الركوع فيقول: " ربنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد " ثم يقول: " اللهم طهرني بالثلج والبرد، والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنَقى الثوب الأبيض من الدَّنَس " كما رواه مسلم في الصحيح عن أبى سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: " اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما

<<  <   >  >>