للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثاني: أن المناظرة بين الكناني وبشر المريسي ثابتة كحادثة تأريخية بين يدي المأمون لم يشك في وقوعها أحد لا الذهبي ولا السبكي، فكلاهما يثبتها، بل إن الذهبي أثبت إضافة إلى المناظرة كتاب الحيدة في كتابيه العبر، ودول الإسلام.

الثالث: كون المأمون بقي بعد تلك المناظرة على رأيه، لا ينهض دليلا على عدم وقوع المناظرة، ولا طعنا في كتاب "الحيدة" الذي هو حصيلة تلك المناظرة، لأن الشبهة التي ليس بها الجهمية على المأمون كانت قوية بحيث أصبحت عند المأمون عقيدة يرى أن مخالفها كافر مرتد يستحق العقوبة بالقتل، فكم من مناظرة قد أقيمت بين يديه، وكم من عالم حبس وضرب، بل وقتل، فمن أجل هذه الشبهة القوية لم يستطع المأمون التخلص منها، ويدل لذلك أن بشرا وأتباعه لازالوا بعد المناظرة يستغلون الفرص المناسبة للطعن على الكناني عند المأمون، وقد ذكر ذلك الكناني نفسه في هذه الرسالة، فقد قال يا ورقة ٣٦/ ب من المخطوطة ص ١٢٠ من الرسالة- قال: فسر المسلمون جميعا بما وهبه الله لهم من إظهار الحق وقمع الباطل وجعل الناس يجيؤون إلي أفواجا حتى أغلقت بابي واحتجبت عنهم خوفا على نفسي وعليهم من مكروه يلحقنا فقالوا: لابد أن تملي علينا ما جرى لنعرفه ونتعلمه، فتهيبت ذلك وتخوفت سوء عاقبته فلما ألحوا في قلت لهم: "أذكر لكم بعض ما جرى مما لا يكون علي حجة في ذكره فرضوا بذلك فأمليت عليهم أوراقا يسيرة مقدار عشر أوراق مختصرة مما جرى لأقطعهم بها عني وعن ملازمة بابي"، ولم يتهيأ لي شرح هذا كله، لما تخوفت على نفسي مما قد يلحقني بعضه، وأنا أذكر بعد هذا المجلس ما جرى، بسبب تلك الأوراق التي كتبها الناس عني في كتاب مفرد بعد هذا إن شاء الله.

فيؤخذ من كلام الكناني هذا أنه قد بدأ بكتابة هذه المناظرة بنفسه، فقد كتب مقدار عشر أوراق، ويظهر من هذا أنه أكمل الباقي بعد ذلك لأن الكتاب كله يتكون من سبع وثلاثين ورقة.

وأن بشرا وأتباعه مازالوا يلبسون على، المأمون، ويحثونه على إيذاء المخالفين لهم لاسيما عبد العزيز الكناني في هذا الم لمحت الذي انتشر فيه خبر المناظرة، كما أشار الكناني إلى ذلك.

<<  <   >  >>