العنيفة الغليظة، فوقفنا على بابه حتى دخل، وأمر بنا فأدخلنا عليه وهو جالس في صحن داره على كرسي حديد، ووسادة عليه، فلما صرنا بين يديه، أقبل في فقال: من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة، فقال: ما حملك على ما فعلت بنفسك"؟ قلت: "طلب القربة إلى الله عز وجل وطلب الزلفة لديه". قال: "فهلا فعلت ذلك سرا من غير نداء ولا إظهار لمخالفة أمير المؤمنين، أطال الله بقاه. ولكنك أردت الشهرة والرياء والتسوق لتأخذ أموال الناس. فقلت: ما أردت من هذا شيئا، ولا أردت إلا الوصول إلى أمير المؤمنين والمناظرة بين يديه لا غير ذلك. فقال: أو تفعل ذلك؟ قلت: نعم. ولذلك قصدت وبلغت بنفسي ما ترى بعد خروجي من بلدي وتغريري بنفسي مع سلوكي البراري أنا وولدي، رجاء تأدية حق الله عز وجل فيما استودعني من الفهم والعلم وما أخذ علي وعلى العلماء من البيان". فقال: "إن كنت إنما جعلت هذا سببا لغيره إذا وصلت إلى أمير المؤمنين فقد حل دمك بمخالفتك أمير المؤمنين". فقلت له: "إن تكلمت في شيء غير هذا، أو جعلت هذا ذريعة إلى غيره فدمي حلال لأمر المؤمنين".
قال عبد العزيز: "فوثب عمرو قائما على رجليه، وقال: أخرجوه بين يدي إلى أمير المؤمنين. قال: فأخرجت، وركب من الجانب الغربي وأنا بين يديه وولدي يعدي بنا على وجوهنا، وأيدينا في أيدي الرجال حتى صار إلى أمير المؤمنين من الجانب الشرقي، فدخل وأنا في. الدهليز قائم على رجلي، فأطال عند أمير المؤمنين، ثم خرج فقعد في حجرة له، وأمر بي فأدخلت عليه، فقال لي: قد أخبرت أمير المؤمنين أطال الله بقاه بخبرك وما فعلت، وما قلت وما سألت من الجمع بينك وبين مخالفيك من المناظرة بين يديه، وقد أمر أطال الله بقاه، بإجابتك إلى ما سألت وجمع المناظرين عن هذه المقالة إلى مجلسه أعلاه الله في يوم الاثنين الآتي وتحضر معهم ليناظروا بين يديه أيده الله ويكون هو الحاكم بينكم.
قال عبد العزيز: فأكثرت حمد الله على ذلك وشكرته وأظهرت الشكر والدعاء لأمير المؤمنين، فقال لي عمرو بن مسعدة: أعطنا كفيلا بنفسك حتى تحضر معهم يوم الاثنين وليس بنا حاجة إلى حبسك".
فقلت له: "أعزك الله أنا رجل غريب ولست أعرف في هذا البلد أحدا ولا يعرفني من أهله أحد، فمن أين لي من يكفلني، وخاصة مع إظهار مقالتي