يؤنسني وأن يسكن عني ما قد لحقني وأن ينشطني، فجعل يكثر كلام جلسائه ويكلم خليفته عمرو بن مسعدة، ويتكلم بأشياء كثيرة مما لا يحتاج أن يتكلم بها يريد بذلك كله إيناسي، وجعل يطيل النظر إلى الإيوان، ويدير طرفه فيه، فوقعت عينه على موضع من نقش الجص قد انتفخ، فقال: يا عمرو أما ترى هذا الذي قد انتفخ من هذا النقش، وسيقع فبادره في يومنا هذا، فقال عمرو: قطع الله يد صانعه، فإنه قد استحق العقوبة على عمله هذا.
قال عبد العزيز:"ثم أقبل علي المأمون فقال لي: "الاسم"، فقلت: "عبد العزيز". فقال لي: "ابن من"؟ فقلت: "ابن يحي"قال: "ابن من"؟ قلت: "ابن عبد العزيز"، قال لي: "ابن من"؟ قلت: "ابن مسلم." قال: "ابن من"؟ قلت: "ابن ميمون الكناني". قال: "وأنت من كنانة". قلت: "نعم،" يا أمير المؤمنين، فتركني ولم يكلمني هنيهة، ثم أقبل علي فقال: "من أين الرجل"، قلت: "من الحجاز"، قال: "من أي الحجاز"، قلت: "من مكة"، قال: "ومن تعرف من أهلهاط، قلت:"يا أمير المؤمنين كل من بها من أهلها أعرفه إلا رجلا ضوى إليها وجاور بها من الغرباء فإني لا أعرفه، قال: فهل تعرف فلانا، هل تعرف فلانا حتى عد جماعة من بني هاشم كلهم أعرفهم حق معرفتهم، فجعلت أقول: نعم أعرفه، وسألني عن أولادهم وأنسابهم فأخبره من غير حاجة به إلى شيء من ذلك، ولا مما تقدم من مسألتي وإنما يريد به إيناسي وبسطي للكلام، وتسكين روعتي وجزعي، فذهب عني ما كان لحقني من الجزع، وجاءت المعونة من الله عزوجل، فقوى بها ظهري، واشتد بها قلبي، واجتمع بها فهمني، وعلا بها جدي، وانشرح بها صدري، وانطلق بها لساني، ورجوت بها النصر على عدوي".
قال عبد العزيز: فأقبل علي المأمون فقال: "يا عبد العزيز إنه اتصل بي ما كان منك في قيامك في المسجد الجامع، وقولك إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وبحضرة الخلق على رؤوس الأشهاد، ومسألتك بعد ذلك الجمع بينك وبين مناظريك على هذه المقالة بحضرتي وفي مجلسي، والاستماع منك ومنهم، وقد جمعتك والمخالفين لك لتتناظروا بين يدي وأكون آنا الحكم فيما بينكم فإن تكن لك الحجة والحق معك تبعناك، وإن تكن لهم الحجة عليك والحق معهم عاقبناك. ثم أقبل المأمون على بشر المريسي" فقال: "يا بشر قم إلى عبد العزيز نناظره وأنصفه".