للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباطل وطمعوا في قتلي، وجثا بشر على ركبتيه وجعل يقول: أقر والله يا أمير المؤمنين بخلق القرآن، فأمسكت فلم أتكلم حتى قال لي المأمون: مالك لا تتكلم يا عبد العزيز فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك، قد تكلم بشر وطالبني بنص التنزيل على ما قلت وهو المناظر لي فضجيج هؤلاء أي شيء هو وأنا لم أنقطع ولم أعجز عن الجواب وإقامة الحجة بنص التنزيل كما طالبني ولست أتكلم في هذا المجلس ويتكلم فيه غير بشر إلا أن ينقطع بشر عن الحجة فيعتزل ويتكلم غيره في مكانه، فصاح المأمون بمحمد بن الجهم وغيره فأمسكوا".

قال عبد العزيز: "فقال لي المأمون تكلم يا عبد العزيز فليس يعارضك أحد غير بشر".

قال عبد العزيز: "قال الله عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ١ وقال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ٢ وقالت عز وجل: {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ٣ فدل عز وجل بهذه الأخبار كلها وأشباه لها كثيرة على أن كلامه ليس كالأشياء وأنه غير الأشياء، وأنه خارج عن الأشياء، وأنه إنما تكون الأشياء بقوله وأمره، ثم ذكر خلق الأشياء كلها فلم يدع منها شيئا إلا ذكره، وأخرج كلامه وقوله وأمره منها ليدل على أن كلامه غير الأشياء وخارج عن الأشياء المخلوقة، فقال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} ٤. فجمع في هذه اللفظة الخلق كله، ثم قال: والأمر، يعني الأمر الذي كان به هذا الخلق، ففرق عز وجل بين خلقه وبين أمره، فجعل الخلق خلقا والأمر أمرا، وجعل هذا غير هذا، وهذا غير هذا، فقال عز وجل: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} ٥ يقول إذا أردت شيئا فإنما هو كلمح


١ سورة النحل آية ٤٠.
٢ سورة يس آية ٨٢.
٣ سورة البقرة آية ١١٧.
٤ سورة الأعراف آية ٥٤.
٥ سورة القمر آية ٥٠.

<<  <   >  >>