فقال بشر:"يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك فقد ادعى أن الأشياء إنما تكون بقوله، ثم جاء بأشياء متباينات متفرقات فزعم أن الله عزوجل يخلق بها الأشياء فأكذب نفسه ونقض قوله ورجع عما ادعاه من حيث لا يدري، وأمير المؤمنين أطال الله بقاه الشاهد عليه الحاكم بيننا".
قال عبد العزيز: فأقبل علي المأمون فقال: "يا عبد العزيز قد قال بشر كلاما قد قلته وتحتاج أن تصحح قولك ولا ينقض بعضه بعضا، وجعل بشر يصيح ويقول: لو تركناه يتكلم لجاءنا بألف لون مما خلق الله عزوجل بها الأشياء".
قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك، ذهبت الحجج وانقطع الكلام، ورضي بشر وأصحابه بالضجيج والترويج إلى الباطل وقطع المجلس وطلب الخلاص ولإخلاص من الله عز وجل. قال: فصاح المأمون: يا بشر أقبل على صاحبك واسمع منه، ودع هذا الضجيج، وكان قد قعد منا مقعد الحاكم من الخصوم".
قال عبد العزيز:"ثم أقبل علي المأمون وقال: تكلم يا عبد العزيز. فقلت: يا بشر زعمت أني قد أتيت بأشياء متباينات متفرقات، فزعمت أن الله خلق بها الأشياء، فما قلت إلا ما قال الله عزوجل في كتابه، وما جئت بشيء غير كلام الله ولا قلت ولا أقول إلا أن "الله " خلق الأشياء بكلامه.
قال بشر: "يا أمير المؤمنين، قد قال إنه خلق الأشياء بقوله وبأمره، وبكلامه، وبالحق، فقال المأمون: بلى قد قلت هذا يا عبد العزيز".
قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين قد قلت هذا، وما قلته إلا على صحته، ولا خرجت عن كتاب الله عزوجل ولا قلت إلا ما قال الله عزوجل، ولا أخبرت إلا بما أخبر الله عز وجل به أنه خلق "مما" يوافق بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وكل ما ذكر الله عزوجل إنه خلق ويخلق به الأشياء فهو شيء واحد له أسماء، هو كلام الله، هو قول الله، هو أمر الله، وهو الحق، فقول الله هو كلامه وكلامه هو الحق، والحق هو آمره، وأمره هو قوله، وقوله هو الحق، وهي أسماء شتى لشيء واحد، كما سمي كلامه نورا وهدى وشفاء ورحمة وقرآنا، وفرقانا، فهذا مثل ذلك، وذلك مثل هذا، وإنما أجرى الله عز وجل مثل هذا على