للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفسه أنه حي لا يموت وكذلك حين قدم إلينا في كتابه خبرا خاصا فقال عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ١ فدل على قوله باسم معرفة، وعلى الشيء باسم نكرة، فكانا شيئين مفترقين عند العرب وأهل اللغة، فقال: إذا أردناه، ولم يقل إذا أردناهما، (وقال: أن نقول له) ولم يقل أن نقول لهما، ففرق بين القول والشيء المخلوق والذي يقول له كن فيكون بالقول مخلوقا، ثم قال عز وجل: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ٢وفعقل المؤمنون عن الله عز وجل عند نزول هذا الخبر العام إنه أيعن كلامه وقوله في الأشياء المخلوقة لما قدم في ذلك من الخبر الخاص أن الأشياء المخلوقة إنما تكون بقوله، وإنما غلط بشر ومن قال بقوله وهلكوا وتاهوا وضلوا لجهلهم بالخاص والعام في القرآن العظيم، وإنما شرف الله العرب وفضلها بمعرفتها بخاص القرآن وعامه ومجمله ومبهمه.

فقال المأمون: أحسنت أحسنت يا عبد العزيز.

قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين إن بشرا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى لله عليه سلم وخالف إجماع أصحاب محمد صلى لله عليه وسلم".

فقال لي المأمون: "خالف كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله وإجماع أصحاب محمد صلى لله عليه وسلم قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أوقفك عليه الساعة"، قال: قل. فقلت: يا أمير المؤمنين إن اليهود ادعت تحريم أشياء لم تحرم عليهم في التوراة وزعموا أنها في التوراة محرمة، فقال الله عز وجل لنبيه صلى لله عليه وسلم: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ٣ فإذا أتوا بالتوراة فتليت لم يوجد ما ادعوه محرما عليهم فيها، كان إمساك التوراة عند ذلك مكذبا لقولهم ومبطلا لدعواهم، وكذلك أقول لبشر: أتل قراءنا بما قلت، وإلاّ فإن إمساك القرآن عما تدعيه مكذب لك مبطل لدعواك. وكذلك ننظر في سنة الرسول عليه السلام فإن كان معه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال، وإلاّ فإمساك السنة مكذب لقوله مبطل لدعواه وهما الأصل الذي أصلناه بيننا وأشهدنا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه على أنفسنا به وشرطنا على أنفسنا إسقاط كل ما لم يوجد في كتاب الله وسنة رسوله صلى لله عليه وسلم.


١ سورة النحل آية ٤٠.
٢ سورة الأنعام آية ١٠٢
٣ سورة آل عمران آية ٩٣.

<<  <   >  >>