للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال عبد العزيز: "فجثى محمد بن الجهم على ركبتيه وقال يا عبد العزيز زعمت أن كل شيء يتكلم به الناس ويحتاجون إلى معرفته موجود في كتاب الله بنص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير فأوجدنا أن هذا الحصير مخلوق أو غير مخلوق في كتاب الله تعالى بنص التنزيل ووضع يده على حصير مرمي (٣٤/أ) كان تحتنا مبسوطا في الإيوان" فقلت له: "نعم علي أن أوجدك ذلك".

قال عبد العزيز فأقبلت عليه فقلت له: "أخبرني عن هذا الحصير أليس هو من سعف النخل وجلود الأنعام"؟

قال: "بلى". قلت: "فهل فيه شيء غير هذا"؟ قال: "لا". فقلت له: "هل هاهنا شيء غير هذا" قال: "لا". فقلت له بل هاهنا شيء صار به حصيرا يجلس عليه". قال: "وما هو قلت: "الإنسان الذي صنعه وألفه وأحكمه" قال: "نعم".

قال عبد العزيز: "فقلت له قال الله عز وجل وقد ذكر الأنعام فقال: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} ١ وأما السعف فإن الله ذكره فقال: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ٢ وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} ٣ فقد كمل خلق الحصير بنص القرآن بلا تأويل ولا تفسير، فهل عندك مثل هذا في خلق القرآن تذكره وتحتج به وإلاّ فقد بطل ما تدعونه في خلقه وصح ولم يزل صحيحا أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق من كل جهة. قال فصاح المأمون: يا محمد بن الجهم مالك وللكلام خل بين الرجل وصاحبه حتى يكلمه وأقبل على بشر فقال: يا بشر هل عندك شيء تناظر به عبد العزيز قبل أن نصرفه ونقوم فقد طال المجلس وصليت الظهر. فقال بشر: يا أمير المؤمنين عندي أشياء كثيرة إلا أنه يقول بنص التنزيل وأنا أقول بالنظر والقياس فليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره فإن لم يدع قوله ويرجع عنه ويقول بقولي ويقر بخلق القرآن الساعة فدمي حلال".

فقال المأمون: "لهذا مجلس تناظرون فيه". قال عبد العزيز فقلت: "يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إن رأيت أن تأذن لي فأناظره كما سأل على جهة النظر


١ سورة النحل آية هـ.
٢ سورة الواقعة آية ٧٢.
٣ سورة المؤمنون آية ١٢.

<<  <   >  >>