للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيان جهله في بعض المواضع، وذلك بالحجة والبرهان، وبالرجوع إلى الأصول الصافية المتلقاة من سلفنا الصالح. والمحور الذي تدور عليه البردة هو الغلو الشديد في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق مرتبة البشرية، ودعاؤه والاستغاثة به، مما هو مناقض للتوحيد الذي ظل الرسول صلى الله عليه وسلم طوال فترة بعثته يعلمه لأصحابه، ويسد كل الأبواب التي قد تخدشه.

وألفت النظر أيضاً إلى أن شأن البوصيري هو شأن سائر الشعراء الذين وصفهم الله في كتابه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعر:٢٢٤-٢٢٧] .

وبالنظر إلى حال بعض الصحابة الذين اشتغلوا بالشعر أمثال: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة ندرك مدى البون الشاسع بين الذين يوظفون علمهم بالشعر في نصرة التوحيد والسنة، وبين الذين يهيمون في أودية البدع والغلو.

ولقد نافح حسان بن ثابت رضي الله عنه بشعره كثيراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه أبداً أنه قد غلا في الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد موته، وقد وصفه في أشعاره بجميل الأوصاف وأظهر سجاياه بأعذب الألفاظ بغير غلو، ودون أن يرفعه إلى مرتبة الإلهية، ودون أن يتوسل به في دعائه أو

<<  <   >  >>