للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان.

قيل فعلى هذا التقدير لا يفيد البرهان العلم بشئ موجود بل بأمور مقدرة في الأذهان لا يعلم تحققها في الأعيان وإذا لم يكن في هذا علم بشئ موجود لم يكن في البرهان علم بموجود فيكون قليل المنفعة جدا بل عديم المنفعة.

وهم لا يقولوك بذلك بل يستعملونه في العلم بالموجودات الخارجة الطبيعية والإلهية.

ولكن حقيقة الأمر كما بيناه في غير هذا الموضع أن المطالب الطبيعية التي ليست من الكليات اللازمة بل الأكثرية فلا تفيد مقصود البرهان.

وأما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعية وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلا عن أن تكون قضايا صادقة يؤلف منها البرهان.

ولهذا حدثونا بإسناد متصل عن فاضل زمانه في المنطق وهو الخونجي صاحب كشف أسرار المنطق والموجز وغيرهما أنه قال عند الموت: "أموت وما عرفت شيئا إلا علمي بأن الممكن يفتقر إلى المؤثر" ثم قال: "الافتقار وصف سلبي فأنا أموت وما عرفت شيئا" وكذلك حدثونا عن آخر من أفاضلهم.

فهذا أمر يعرفه كل من خبرهم ويعرف أنهم اجهل أهل الأرض بالطرق التي ينال بها العلوم العقلية والسمعية إلا من علم منهم علما من غير الطريق المنطقية فتكون علومه من تلك الجهة لا من جهتهم مع كثرة تعبهم في البرهان الذين يزعمون أنهم يزنون به العلوم ومن عرف منهم بشئ من العلوم لم يكن ذلك بواسطة ما حرروه في المنطق

<<  <   >  >>