فان قال قائل: إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول أنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة ل الكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة والذين يحسبون أنهم إذا قالوا أن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب فقد تخلصوا من هذا فما تخلصوا فان الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف ب الجزء أأو القسمة أو المساوة أما الجزء والقسمة فانما يمكن تصورهما ب الكثرة وأما المساوة فان الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة ب الكمية التي يجب أن توخذ في حدها الكمية فيقال أن المساوة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا هو ما لا يفهم إلا بعد فهم العدد.
فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل الشبيه بالأمثلة والأسماء المترادفة فان هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط".
قلت: فهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا هنا قد تلقوه عنه بالقبول كما يذكر مثل ذلك أبو حامد والرازي والسهروردي وغيرهم.
فيقال: هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل لكن منها ما هو بين لكل أحد كالأمور العامة ومنها ما هو بين لبعض الناس كما يعرف أهل الصناعات والمقالات أمورا لا يعرفها غيرهم فحدودها بالنسبة إلى هؤلاء كحدود تلك الأمور التي يعم علمها بالنسبة إلى العموم