للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحكمة في إرسال الرسول البشري إلى البشر دون الملكي:

فقوله صاحبكم تنبيه على نعمته على البشر وإحسانه إليهم إذ بعث إليهم من يصحبهم ويصحبونه بشرا مثلهم فإنهم لا يطيقون الأخذ عن الملك كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} .

وروى ابن أبي حاتم عن أبي زرعة عن منجاب بن الحرث عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ} لأهلكناهم {ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ} لا يؤخرون {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} يقول: "لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة" وكذلك قال غيره من المفسرين {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ} قالوا لخلطنا ولشبهنا عليهم ما يخلطون ويشبهون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا املك هو أو أدمى.

فبين سبحانه أنه لو أنزل ملكا لم يمكنهم أن يروه إلا في صورة بشر كما كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه الناس في صورة دحية الكلبى أو في صورة أعرابي لما أتاه وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وكذلك لما أتوا إبراهيم ولوطا ورأتهم سارة وقم لوط لم يأتوا إلا في صورة رجال وكذلك لما أتى جبريل مريم عليه السلام لينفخ فيها أتاها في صورة رجل قال تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} وإذا كانوا لا يستطيعون أن يروا الملك إلا في صورة رجل فلو جاءهم لقالوا هذا بشر ليس بملك واشتبه الأمر واختلط والتبس الأمر عليهم فلم تكن هذه شبهة تنقطع بانزال ملك

<<  <   >  >>